
فاجأ المشفقين عليه والمشككين فيه، بإنجازات كبيرة في فترة قصيرة..
أعاد للهيبة للشرطة، بنزولها ميدان العمليات، ووصولها المناطق المحررة..
تنتظره ملفات مهمة في سودان ما بعد الحرب أبرزها تعزيز حكم القانون..
الفريق تاور: على الوزير الاهتمام بشكاوى الضباط والجنود والمتقاعدين..
تقرير: إسماعيل جبريل تيسو..
احتفت وزارة الداخلية ومنسوبو الشرطة بمختلف ألوان طيفهم بما فيهم قطاع عريض من المتقاعدين، بالقرار الذي أصدره رئيس مجلس السيادة، القائد العام للقوات المسلحة، الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، بإعادة وزير الداخلية خليل باشا سايرين إلى الخدمة الشرطية، وترفيعه إلى رتبة الفريق شرطة، ذلك أن القرار قد أثلج صدور الذين عاشروا الفريق سايرين خلال تجربته الثرَّة في الهيئة العامة للجمارك والتي وصل فيها إلى مقعد نائب المدير العام بعد أن أبلى فيها بلاءً حسناً، ولكنه غادر الجمارك من الباب الضيِّق حزيناً آسفاً جراء الظلم الذي وقع عليه من قبل قيادة الشرطة، وما أوجع ظلم ذوي الزمالة، وخيانة سنوات الخدمة الطويلة الممتازة، عُشرة الأيام ما بصح تنساها.
إنصاف بعد ظلم:
لقد وقف العام 2017م غُصّةً في حلق ضابط الشرطة الرفيع خليل باشا سايرين، الذي كان قد رفض الخوض في مستنقع الفساد، والاستجابة لتوجيهات المدير العام الأسبق لقوات الشرطة الفريق هاشم الحسين، بإعداد كشف تنقلات لعدد من منسوبي الجمارك وهي خطوة معنيٌّ بها المدير العام للجمارك وليست من مهام خليل سايرين الذي كان يشغل وقتها منصب نائب المدير العام، فاشتاط الفريق هاشم الحسين غضباً وأوصى للرئيس المخلوع عمر البشير الذي أصدر قراراً مازال مثار دهشة وتعجب منسوبي الشرطة، حيث قضى القرار بإعفاء المدير العام لهيئة الجمارك اللواء عبد الحفيظ صالح، ونائبه اللواء خليل باشا سايرين، وإحالتهما إلى التقاعد، ولما كان القرار سابقةً في أعراف الشرطة، فقد أراد اللواء سايرين أن يأتي بسابقة مماثلة فسارع إلى الطعن في قرار رئيس الجمهورية التعسفي، فلم يكن أمام محكمة الطعون الإدارية إلا الاحتكام لصوت القانون فأنصفت الرجل وأعادته إلى الخدمة، ملغيةً قرار رئيس الجمهورية الذي جانبه الصواب، باعتبار أن اللواء سايرين لم يبلغ وقتها السن القانوني للتقاعد، ولم تكن هنالك أسباب مهنية تُبعد الرجل الذي كان يشغل منصب نائب رئيس هيئة الجمارك، ويضطلع بمهمته في مهنية وكفاءة يحسده عليها الجميع، فيكفيه فخراً أنه كان أول دفعته في جامعة الخرطوم، وأول دفعته في كلية الشرطة، وفوق هذا وذاك فهو خبير اقتصادي وجمركي لا يشق له غبار، يتحدث ثلاث لغات أجنبية بطلاقة، ويتقلد صفة المفاوض السوداني في منظمة التجارة العالمية حتى لحظة تعيينه وزيراً للداخلية، ليأتي قرار البرهان بإعادة سايرين للخدمة وترقيته إلى رتبة فريق بمثابة إنصاف ورد اعتبار للرجل الذي يحظى بقبول واسع داخل وخارج منظومة الشرطة.
إنجازات مشرقة:
ومثلما كان العام 2017م مريراً في مسيرته، فقد كان العام 2023م عاماً مختلفاً سيخلده التأريخ، حيث تم تعيين خليل باشا سايرين وزيراً للداخلية خلفاً للوزير المقال عنان حامد عنان، وهي المرة الأولى التي يتم فيها تعيين وزير للداخلية من الوحدات الخاصة المضافة للشرطة والمتمثلة في الجمارك، والسجون والحياة البرية، وفي اليوم الثالث عشر من ديسمبر من العام الماضي 2023م، خطى خليل باشا سايرين أول خطواته نحو مكتبه في وزارة الداخلية بالعاصمة الإدارية مدينة بورتسودان، وكانت تنتظر الرجل على منضدة الوزير الكثير من الملفات الخطيرة والشائكة باعتبار أن سايرين قد تسلم مهام منصبه الجديد في مرحلة عصيبة وحساسة وحرجة من تأريخ السودان الذي يرزح تحت وطأة حرب وجودية أشعلت فتيلها ميليشيا الدعم السريع الإرهابية المتمردة، وكم أشفقنا على الرجل باعتباره أكاديمياً وخبيراً اقتصادياً جاء في وقت حرب وشدة وكرب، ولكن سايرين قلب الطاولة في وجه جميع المشفقين والمتعاطفين وحتى المشككين، فقد استطاع وخلال فترة وجيزة أن يحدث حراكاً كبيراً أرسل من خلاله إشارات إيجابية، مفادها أن منسوب الجمارك السابق يستند على قدرات إدارية وحركة ديناميكية وحرص على العمل الميداني، للوقوف بشكل شخصي على واقع الحال، بعيداً عن الأسطر المنمقة للتقارير المكتوبة، فرمت هذه الفعالية الحركية بظلال بعيدة في تفاصيل العاصمة الخرطوم مسرح العمليات الحربية، وفي عديد الولايات التي شهدت حراكاً للشرطة في أعلى مستوياتها بتفقد المرابطين في المواقع الأمامية، ودعم المجهود الحربي من خلال عدة وثبات، وتنفيذ ورش العمل الخاصة بضبط الوجود الأجنبي، وتفقد ودعم جرحى ومصابي معركة الكرامة الوطنية وتبني علاج الكثير من الحالات الاستثنائية، وتدشين العمل في عدد من أقسام الشرطة، وإسناد المستشفيات العسكرية في الولايات الآمنة بالأدوية والمعدات الطبية، وتنفيذ عمليات إسقاط ناجحة بالمؤن والمعدات الطبية والأدوية والعقاقير العلاجية، لفك الخناق عن المدن المحاصرة من قبل الميليشيا المتمردة كما حدث في الفاشر، والدلنج، هذا فضلاً عن الزيارات التي شملت دور الإيواء والمسنين وتقديم الدعم العيني من الغذاء والأدوية والكساء ومعدات الإيواء، بالإضافة إلى رفع وتيرة الضبطيات بتوقيف عدد من المتهمين في محاولات لتهريب منهوبات من الخرطوم، وكان الوزير على رأس الكثير من هذه الفعاليات التي تمت في عدد كبير من الولايات.
تغيير مفاهيم:
وبين ليلى وضحى تغيرت الكثير من المفاهيم المغلوطة تجاه قوات الشرطة التي أثار اختفاؤها في بواكير الحرب غباراً كثيفاً وترك على وجوه المواطنين العديد من علامات الاستفهام والتعجب، باعتبار أن وجود الشرطة في ميدان القتال جنباً إلى جنب مع القوات المسلحة ربما كان يغطي الكثير من الثغور التي استغلتها ميليشيا الدعم السريع ومناصريها من عتاد المجرمين و(الشفشافة) الذين مارسوا عمليات السلب والنهب واعتدوا على حقوق المواطنين، ولكن تبقى الشرطة نفسها مظلومة باعتبار أن وزيرها الفريق عنان حامد عنان والذي كان يشغل في ذات الوقت موقع المدير العام لقوات الشرطة قد هرب من ساحة الوغى وآثر أن يكون بعيداً عن قواته ضارباً بعرض الحائط كل ما أثير حوله من شكوك ولغط بشأن علاقته بقائد ميليشيا الدعم السريع، والخروقات التي تمت في عهده لصالح منسوبي الميليشيا المتمردة، فإذا كان ربُّ البيت للدُّف ضارب فشيمة أهل البيت كلهم الرقص، كل هذه ( الملاحيظ) جاء خليل باشا سايرين واستطاع بالتعاون والتنسيق المحكم مع قيادة الشرطة الجديدة وفي مقدمتهم الفريق أول حقوقي خالد حسان محي الدين وأركان حربه من قيادات الأفرع والوحدات والإدارات الشرطية أن يردوا اعتبار الشرطة ويعيدوا الثقة في قواتها ويزيلوا ما علق في بعض جوانبها من قصور، بإعادتها سيرتها الأولى لتكون كالعهد بها العين الساهرة واليد الأمينة على ممتلكات المواطنين، فكانت قوات الشرطة سبّاقةً في الوصول إلى مواقعها في المناطق المحررة من دنس الميليشيا المتمردة، ببث روح الاطمئنان والسكينة في نفوس المواطنين، وكانت قوات الشرطة مشاركة بفعالية في مختلف محاور وجبهات القتال جنباً إلى جنب مع القوات المسلحة والقوات المساندة لها.
ملفات قيد الانتظار:
نعم لقد فعلها وزير الداخلية خليل باشا سايرين وأزال عن نفوس المواطنين غشاوة الخوف، ولعل الرجل الذي ترصَّع كتفه خلال اليومين الماضيين، ببريق نجمة اتخذت موقعها ما بين المقص وصقر الجديان، تنتظره العديد من المهام الصعبة التي يبرز أهمها الاستراتيجي والخبير الأمني الفريق شرطة دكتور جلال تاور الذي أرسل عبر “الكرامة” تهنئة قلبية صادقة للفريق خليل باشا سايرين بمناسبة إعادته للخدمة وترقيته إلى رتبة الفريق معتبرها ترقية مستحقة ومنصفة للرجل الذي ظلم في خواتيم عهد الإنقاذ، ويشدد تاور على ضرورة أن يرفع الوزير من سرعة إيقاع اللجان المختصة للنظر في طلبات وشكاوى الضباط سواءً في الخدمة أو المتقاعدين، معتبراً الخطوة مهمة في سبيل تحقيق مبدأ الاستجابة الذي يمثل أساساً متيناً تقوم عليه قواعد الحكم الرشيد، منوهاً أن يولي الوزير أهميةً لحقوق العاملين في الشرطة متقاعدين أو الذين مازالوا يداومون في الخدمة وبخاصة قضية زيادة الأجور والرواتب التي تحفِّز من عطاء منسوبي الشرطة الذين يمثلون أساساً لنجاح الوزير.
خاتمة مهمة:
ومهما يكن من أمر فقد أظهر الفريق شرطة خليل باشا سايرين قدرات كبيرة خلال الفترة التي قضاها وزيراً للداخلية والتي تربو على العامين استطاع خلالها أن يؤسس لأرضية صلبة تقف عليها الشرطة وتستعيد هيبتها، وبحسب خبراء فإن إعادة الوزير إلى دائرة الخدمة الشرطية وترفيعه إلى رتبة الفريق تمثل استحقاقاً لما حققه خلال الفترة الماضية، قبل أن تكون دعماً معنوياً يتزوّد به في مشوار عطائه للمرحلة المقبلة والتي تتطلب من الشرطة أن تضرب بيد من حديد، لتُلقي الرعب في نفوس الذين قتلوا واغتصبوا وخانوا وسرقوا ونهبوا، فرضاً لهيبة الدولة وتعزيزاً لسيادة حكم القانون، وفي ذلك فليتنافس المتنافسون.