
عُرضت أمام اجتماع مجلس الأمن والدفاع قبل أربعة أيام ” 9 أغسطس 2025″ الدعوة الأمريكية لرئيس مجلس السيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان للقاء السيد مسعد بولس مستشار الرئيس الأمريكي دونالد ترمب في سويسرا.
لم يكن ممكن الاشارة لذلك في البيان الصادر بعد الاجتماع، فمثل هذه القرارات تستلزم درجة من التكتم لحين تجاوزها مرحلة الميلاد العملي.. وهذا أمر مفهوم في سياق عمل الدولة.
في مساء الاثنين، أمس الأول، سافر الرئيس البرهان إلى سويسرا والتقى المستشار الأمريكي. لم يكن مطلوبا من البرهان أن يقدم تنازلات ولا أن ينحني لأي شروط، ولا التوقيع على أجندة يرفضها الشعب السوداني.
في العام الماضي 2024، وللدصفة العجيبة في نفس هذه الأيام بالتحديد ما يوافق يوم غد “14 أغسطس” دعت أمريكا والمملكة العربية السعودية لجولة مفاوضات في سويسرا.. يحضرها بصفة مراقب مصر والامارات والأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي و الاتحاد الأوروبي. وقدمت الدعوة للسودان، و رفض المشاركة.
بذلت أمريكا ومصر والسعودية جهودا كبيرة لاقناع السودان لكن باءت بالفشل. مما اضطر الدول المشرفة على المفاوضات لتأجيلها أكثر من مرة توقعا لموافقة السودان.. دون جدوى.
و رفض السودان أن يعقد اجتماعا مع المبعوث الامريكي في مطار بورتسودان، إلى عقد الاجتماع داخل المقر الرئاسي.
ازاء رفض السودان الانخراط في المفاوضات، انهت ادارة بايدن فترتها الرئاسية باصدار عقوبات على رئيس مجلس السيادة.
بعد عام كامل يعود السودان للنقطة التي كان من الممكن أن يحقق فيها تقدما كبيرا ليس في المفاوضات وحدها، بل في ترفيع علاقته بالمجتمع الدولي ممثلا في أمريكا والاتحاد الأوروبي والاتحاد الأفريقي.. وبالضرورة قبل ذلك مع مصر والسعودية باعتبارها دولا داعمة أصلا للسودان..
وأكثر من ذلك وجود الامارات في مفاوضات سويسرا يمنح السودان فرصة مناسبة لتفاوض ثنائي يضع فيه على الطاولة كل الأجندة المشتركة بمنتهى الصراحة.. للوصول الى تفاهم يساعد في انهاء الحـ؛رب.
المفاوضات والبحث عن السلام يتطلب شجاعة وجرأة لا تقل عن العمل العسكري .. ومثلما مطلوب من أي قائد عسكري الانتصار في الميدان، كذلك مطلوب من أي قائد سياسي تحقيق النصر في الوصول للسلام.
ومثلما يحتاج القائد العسكري للدعم الاعلامي والشعبي لتحقيق النصر العسكري.. فهو بحاجة أكثر للدعم الاعلامي والشعبي لتحقيق السلام والاستقرار بانهاء الحـ؛رب.
كتبت هنا وتحدثت كثيرا أن المفاوضات مسار موازي للعمل العسكري.. لكل مطلوباته وشروطه و بيئته.. لكنهما يلتقيان في الهدف النهائي وهو الوصول إلى بر الأمان بالدولة كاملة دون نقصان.. و صون كرامتها و سيادتها.. والمحك في النتائج.. تتعدد الطرق وتظل الغاية واحدة.. فكل الطرق تؤدي إلى روما.
ما كان حكيما الاستنكاف عن الانخراط في المفاوضات قبل عام.. كل الأوراق كانت لصالح السودان – حكومة وجيشا وشعبا-.. كل المطلوب فريق تفاوضي خبير يعرف كيف يدير أجندة التفاوض لتحقيق أفضل ما يطمح إليه كل سوداني.
الآن.. أن تأتي أخيرا خير من ان لا تأتي.. نحتاج لدعم الخطوة الشجاعة التي بدأها الرئيس البرهان أمس الاول لتصل الى غاياتها.. السلام بشروط الشعب السوداني.