آراء ومقالات

حلفاء في العلن… خصوم في الخفاء…بقلم د. علاء عماد الدين البدري

في خضم الأزمة السودانية الراهنة تتكشف المواقف الإقليمية والدولية على حقيقتها لتظهر بوضوح الفجوة بين الخطاب المعلن والممارسة الفعلية على الأرض هناك دول ترفع شعارات دعم الشرعية وتصدر البيانات التي تُدين المليشيا بأشد العبارات بينما تمارس في الخفاء أدوارًا مريبة تمد عبرها تلك المليشيا بأشكال مختلفة من الدعم ولو بطريقة غير مباشرة وهناك من لا يجد حرجًا في إعلان مواقفه العدائية صراحة ساعيًا لتفكيك الدولة السودانية وإضعاف مؤسساتها تمهيدًا للسيطرة على مواردها وموقعها الجغرافي الاستراتيجي.

المشهد معقد ومتداخل لكنه في جوهره يعكس حقيقة واحدة العالم اليوم لا يتحرك بالمشاعر ولا بالمبادئ بل بالمصالح والكارثة أننا في السودان كثيرًا ما نتعامل مع هذه المواقف من زاوية آنية ومزاجية دون قراءة استراتيجية بعيدة المدى فتغيب الرؤية الجامعة وتضيع البوصلة بين الشعارات والانفعالات.

من يتابع مسار العلاقات الإقليمية والدولية خلال الأزمة السودانية يدرك أن هناك دولًا تتعامل بوجهين وجه دبلوماسي يعلن دعم الحكومة ووجه خفي ينسق مع قوى مسلحة أو يدعمها بالمال والسلاح والمواقف الإعلامية هذه الازدواجية لا تنبع من حب أو كراهية بل من مصلحة بحتة فكل طرف يبحث عن موطئ قدم في السودان وعن نصيب في موارده سواء عبر النفوذ السياسي أو عبر السيطرة الاقتصادية ولأننا لا نقرأ المشهد بمقاييس المصلحة البحتة نجد أنفسنا ضحية لهذا التناقض نصدق ما يقال في المؤتمرات الصحفية ونتجاهل ما يجري خلف الكواليس فنُصدم في كل مرة بنتائج لم نحسب حسابها.

المرحلة التي يمر بها السودان تفرض عليه أن يغيّر أسلوب تعامله مع العالم لا يمكن أن نستمر في سياسة ردود الفعل ولا في انتظار “الدعم المشروط” أو “المواقف الودية المؤقتة” آن الأوان لأن نُقيم علاقاتنا الخارجية وفق مبدأ المصلحة الوطنية أولًا وأخيرًا “المعاملة بالمثل” ليست شعارًا سياسيًا بل نهج سيادي يحمي الدولة من التلاعب والابتزاز فإذا كانت دولة ما تدعم السودان علنًا وتخذله سرًا فيجب أن يُعامل موقفها بحذر وواقعية وأن يُعاد النظر في طبيعة التعاون معها أما الدول التي تلتزم بالوضوح وتتعامل بندّية واحترام فهي الأجدر بأن تكون شريكًا استراتيجيًا في المستقبل التوازن لا يعني العداء والحذر لا يعني الانغلاق المطلوب ببساطة أن نضع مصلحة السودان فوق كل اعتبار وأن نتعامل مع الآخرين كما يتعاملون معنا بعقل بارد ووفق حسابات دقيقة للربح والخسارة.

لقد بات الهدف الحقيقي للحرب أكثر وضوحًا إنها ليست معركة سلطة فحسب بل معركة موارد فالسودان بلد غني بالذهب والزراعة والمياه والموقع الجغرافي الذي يربط إفريقيا بالعالم العربي والبحر الأحمر هذه الثروات تمثل مطمعًا للدول التي لا ترى في السودان إلا فرصة للاستثمار الرخيص أو ساحة نفوذ جديدة لهذا السبب فإن أي تعامل خارجي يجب أن ينطلق من فهم أن حماية موارد البلاد جزء لا يتجزأ من حماية سيادتها فالموارد التي تُستغل دون رقابة أو تُدار من خارج مؤسسات الدولة هي ثغرة يمكن أن تهدم أركان الاستقرار لعقود قادمة.

من الضروري اليوم أن تتبنى الدولة السودانية سياسة خارجية واقعية ومرنة تستند إلى قراءة دقيقة للمصالح لا إلى العواطف أو ردود الأفعال هذه السياسة يجب أن تقوم على أربعة أعمدة رئيسية:
1. تحديد الأولويات بوضوح: معرفة ما يجب حمايته أولاً من الموارد الاستراتيجية إلى المؤسسات الوطنية.
2. بناء تحالفات على أسس نديّة: لا بد أن تكون التحالفات محددة الأهداف والحدود بحيث تخدم مصالح الطرفين دون إخلال بالسيادة.
3. مراجعة الاتفاقات القديمة: خاصة تلك التي أُبرمت في ظروف سياسية مضطربة لضمان ألا تتحول إلى أدوات ضغط أو اختراق.
4. تفعيل الدبلوماسية الذكية: عبر كشف الازدواجية بالحقائق لا بالاتهامات وإحراج الأطراف التي تمارس الدعم المزدوج دون اللجوء إلى التصعيد.

قد يظن البعض أن تبني نهج المصلحة يعني التخلي عن المبادئ الوطنية أو الأخلاقية لكن هذا غير صحيح فالدولة التي تحمي مصالحها بذكاء واستقلالية هي الدولة التي تحافظ على كرامتها ومبادئها في آن واحد أما الانجرار وراء وعود عاطفية أو مواقف مؤقتة فهو ما يهدد وحدة البلاد على المدى الطويل إن المصلحة الوطنية ليست نقيضًا للقيم بل وسيلة لحمايتها وعندما تكون المصلحة العامة هي المحرك الأساسي للقرار السياسي والدبلوماسي يصبح السودان قادرًا على فرض احترامه في الإقليم والعالم.

لقد تعب الشعب السوداني من الشعارات ومن الوعود التي تُطلق دون أن تجد طريقها إلى الواقع المطلوب الآن رؤية متماسكة تُدير المواقف لا أن تُدار بها رؤية تُدرك أن العالم لا يحترم الضعفاء ولا يسمع إلا لغة المصالح المتبادلة يجب أن نتوقف عن التعامل اللحظي مع الأحداث وأن نُعيد بناء سياستنا الخارجية على أسس مصلحية رشيدة تحفظ موارد البلاد وتصون سيادتها وتفتح لها أبواب التعاون الحقيقي لا الوهمي فحين يتعامل السودان مع الآخرين بالعقل الذي يتعاملون به معنا فقط عندها يمكن أن نقول إننا بدأنا نستعيد دولتنا ونصنع مستقبلًا يُبنى على التوازن لا على التبعية وعلى المصلحة الوطنية لا على العواطف المؤقتة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى