آراء ومقالات

السودان بين أزمة التوافق والتأسيس والتسلق السياسي على أشلاء ودماء السودانيين

بقلم الطيب محمد صالح

مستقبل مُعلَّق بين الفوضى والأمل
السودان يقف عند مفترق طرق: إما الاستمرار في دورة العنف والانقسام، أو الشروع في بناء دولة تقوم على العدالة والتعددية. وكما قال الكاتب السوداني الطيب صالح: “أينما وُجد الإنسان، تُوجد الإمكانية لصنع المستقبل”. المستقبل يبدأ بوقف النزيف أولًا، ثم بإعادة اكتشاف الهوية السودانية الجامعة، بعيدًا عن الاستقطابات الضيقة والمصالح الخارجية .

السودان دوامة الأزمات المترابطة
يعيش السودان منذ عقود في حلقة مفرغة من الأزمات السياسية والاجتماعية، تتفاعل فيها عوامل داخلية مُزمنة مع تدخلات إقليمية ودولية تُعقِّد المشهد. تُراوح هذه الأزمات بين فشل التوافق السياسي، وعجز التأسيس للدولة، واستغلال الفوضى للتسلق السياسي، وهي جميعًا تُفاقم من معاناة الشعب الذي يدفع الثمن بدمائه ومستقبله. تُمثِّل الحرب الدائرة منذ أبريل 2023 بين الجيش السوداني و مليشيا الدعم السريع ذروةَ هذه الأزمات، حيث خلَّفت أكثر من 20 ألف قتيل و14 مليون نازح وفقًا للأمم المتحدة .

1. أزمة التوافق السياسي: الاتفاقيات الورقية وانعدام الإرادة
فشلت النخب السياسية والعسكرية في بناء توافق وطني حقيقي، رغم توقيع عشرات الاتفاقيات التي تحولت إلى حبر على ورق. فـالاتفاق الإطاري (ديسمبر 2022)، الذي وُقِّع بدعم إقليمي، بقي عاجزًا عن معالجة قضايا جوهرية مثل إصلاح قطاع الأمن والعدالة الانتقالية، بسبب تناقض المصالح الضيقة للفصائل بل كان بمثابة المؤامرة على الشعب والدولة .
– تحالف الحرية والتغيير، الذي قاد ثورة 2018، انقسم داخليًا بسبب عدم قدرته على توسيع المشاركة السياسية، مما سهَّل عودة النفوذ العسكري وتدخلات النظام السابق .
– تنسيقية “تقدم”، التي مثَّلت تحالفًا مدنيًّا مناهضًا للحرب، انهارت في فبراير 2025 بسبب الخلافات حول تشكيل “حكومة موازية” في مناطق سيطرة مليشيا الدعم السريع، ما كشف عن محاولات استغلال الصراع لتحقيق مكاسب سياسية .

2. التأسيس الديمقراطي: إخفاقات الماضي وحُلم المستقبل
رغم الجهود المبذولة لإنهاء الدائرة الشريرة ، مثل الميثاق السياسي (مايو 2024)، إلا أن التحديات الهيكلية تظل قائمة:
– الوثيقة الدستورية لعام 2019، التي أُعدت بعد إسقاط البشير، فشلت في تفكيك بنية النظام القديم، مما سمح لعناصره بالعودة عبر شبكات المصالح .
– تجارب ديمقراطية سابقة (1954، 1965، 1986) فشلت بسبب الانقسامات الطائفية وغياب الدستور الدائم، وهو السيناريو الذي يتكرر اليوم مع اقتراح “وثيقة 2025” التي تمنح البرهان صلاحيات لمدة 4 سنوات تحت غطاء “فترات انتقالية” .
– الحكومة الانتقالية بقيادة حمدوك (2019-2021) أُطيح بها بانقلاب أكتوبر 2021، مما أكد هشاشة الشراكة بين المدنيين والعسكريين .

3. التسلق السياسي: الحرب ساحة للتربح والانقسام
في خضم الفوضى، برزت فصائل تستغل الصراع لتعزيز نفوذها:
– الحركة الإسلامية والمؤتمر الوطني (نظام البشير) لا يزالان يعملان في الخفاء، مستخدمين الخطاب وشبكات الفساد لاستعادة النفوذ .
– مليشيا الدعم السريع، الممولة إقليميًّا (خاصة من الإمارات وتشاد والخ )، ارتكبت انتهاكات واسعة لتعزيز سيطرتها على مناطق النزاع، بينما تسعى الي تشكيل حكومة موازية عبر حلفاء سياسيين لها .
– انهيار التحالفات، مثل تنسيقية “تقدم”، تعكس ظاهرة “التحالفات المرحلية” التي تنهار عند مواجهة القضايا المصيرية، كالموقف من المشاركة العسكرية في السلطة .

4. التدخلات الخارجية: الوقود الخفي للصراع
لا يمكن فصل الأزمة السودانية عن الصراعات الجيوسياسية الإقليمية والدولية:
– الإمارات وتشاد تدعمان الحرب (مليشيا الدعم السريع مقابل الجيش السوداني ) لتحقيق مصالح اقتصادية وسياسية، مثل السيطرة على الموارد الطبيعية وطرق الهجرة .
– المبادرات الدولية، مثل تلك التي قادتها مصر أو الاتحاد الأفريقي، تفتقر إلى التنسيق، وغالبًا ما تخدم أجندات خارجية أكثر من مصلحة السودانيين .
– مليشيا الدعم السريع نفسها وُلدت بدعم أوروبي لمكافحة الهجرة غير الشرعية، ثم تحولت إلى لاعب رئيسي في الصراع الداخلي .

5. الحلول المطروحة: بين الواقع والطموح
لإنقاذ السودان من الانهيار، تُطرح عدة سيناريوهات، لكنها تواجه عقبات جسيمة:
1. وقف هذا العبث عبر حوار شامل يضم كل الأطراف، بما في ذلك الحركات المسلحة والمجتمع المدني، مع ضمانات ومواثيق شرف لتنفيذ الاتفاقيات .
2. إعادة بناء الثقة: عبر مؤسسات حقيقية، وليس وثائق تُكرس الهيمنة السياسية والعسكرية ، كما في مقترح “وثيقة 2025” المثير للجدل .
3. معالجة الجذور الهيكلية مثل الفقر وعدم المساواة، عبر إعادة إعمار ما دمرته الحرب، وتفعيل العدالة الانتقالية لمحاسبة مرتكبي الانتهاكات .
4. مواجهة التدخلات الخارجية: بوضع آليات قانونية تحمي السيادة، وتعزيز الدور الأفريقي المحايد في الوساطة .
5. إصلاح قطاع الأمن: دمج المليشيات في الجيش الوطني، وإعادة هيكلة المؤسسات العسكرية لضمان ولائها للدولة وليس لأي جهة او جماعة .


المقال مستلهم من بعض كتاباتي وتحليلاتي السابقة ، مع الاستناد إلى مصادر متنوعة .

الطيب محمد صالح ١٥ /فبراير /٢٠٢٥

#نقطة_سطر_جديد
#صوت_الشباب
#الحوار_السوداني_الشامل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
Hide Ads for Premium Members by Subscribing
Hide Ads for Premium Members. Hide Ads for Premium Members by clicking on subscribe button.
Subscribe Now