تسنيم عبد السيد تكتب:الإسلام ليس طرحاً مثالياً

سألت احداهن الداعية مصطفى حسني قائلة: “قطعت علاقتي بإحدى قريباتي، لأنها أساءت أكثر من مرة ولم تعتذر، فهل أنا آثمة”؟
كان الرد: “لا، لستِ آثمة، صلة الرحم لا تعني أن أحدهم يسيء لك وتصله، صِل من قطعك معناها اسأل عن من لم يسأل عنك، لكن إذا تعرضت لإهانة من أحدهم ضرب مثلًا أو طرد، لا يمكن أن تأمرك الشريعة بوصله، إذا من نفسك أردت الإصلاح وصفى قلبك تجاه ذلك الشخص فأجرك على الله، وإلّا فما عليك شيء ولستِ آثمة”.
فاجئتني تلك الإجابة، لسبب بسيط؛ أن كثير من الدعاة يُحاولون في مثل تلك المواقف تسويق الإسلام على أنه طرحًا مثاليًا، والحقيقة أنه طرحًا واقعيًا، ففي هكذا أسئلة دائمًا تكون الاجابات على نحو “قاطع الرحم لا يشم رائحة الجنة”، “تعال على نفسك شوية واصفح عمّن ظلمك وأساء إليك لتكسب أجر العفو”..، يتجاهل أولئك أن العفو لطالما كان مقرونًا بالمقدرة، فكيف يصفح المظلوم والمكسور والمغدور! والخالق سبحانه وتعالى يقول في كتابه: (وجزاءُ سيئةٍ سيئةٌ مثلها) من يبدأ بالإساءة يُجازى بها، الإسلام دين قوة وليس ضعف، نعم فيه حث على بذل الخير ومكارم الأخلاق، لكن لكل إنسان حدود لا ينبغي لأحد تجاوزها.
تخيَّل أيها القارئ أن طبيبًا تسبّب في خطأ طبي أودى بحياة ابنك الوحيد مثلًا، رغم أن هكذا أخطاء على الأرجح تقع بغير قصد، فكيف بمن يقتل ويؤذي ويظلم عمدًا؟!
لا أعتقد أن هناك قوة على وجه هذه الأرض يحق لها انتزاع العفو والسماح عُنوةً، إما أن تصفى تلك القلوب وتصفح عن رضًا أو تبقى على حالها، وذلك لا يعني بالضرورة الحقد والإنتقام وإنما فقط للعفو ثمن لا يملكونه.
مثلما حدث مع “وحشي” قاتل حمزة، حين رآه النبيﷺ وقد جاءه مسلماً، لم يستطع أن يجامله أو يخدعه بمحبة زائفة، وسأله: أنت وحشي؟ قال: نعم، قالﷺ: أنت قتلت حمزة؟ قال: قد كان من الأمر ما بلغك، قالﷺ: فهل تستطيع أن تُغيّب وجهك عني.. لم يبغضه أو يظلمه أو يدعُ الناس إلى نبذه، فقط أخبره بحقيقة مشاعره، لأنه بشر ما يتحمّل أن يرى قاتل عمه قريباً منه يتودد إليه ويلين له الجانب..
وكذلك من التسويق الخاطئ للإسلام، تصوير المسلمين على أنهم ملائكة لا يُخطئون، الإسلام يا سادة دين صدق وشفافية وتصالح مع الذات وثقة في الله، وليس استعراضًا، فإذا استطعت أن تُنقي قلبك من الشرك بالله وترضى بالله ربًا والإسلام دينًا ومحمد صلى الله عليه وسلم نبيًا، فكل ما دون ذلك من آثام يغفرها الله لك ولا يُبالي، حين يرى منك صدقًا وعزمًا، لا نفاقًا ورياء.
ويتجلى ذلك فيما حكاه نبي الإسلام محمد صلى الله عليه وسلم عن ذلك الرجل المجرم الذي عفا الله عنه رغم بشاعة فعله، حين قال: (كان في من كان قبلكم رجل أعطاه الله مالاً وولدًا، يعمل نبَّاش للقبور – يسرق أكفان الموتى بعد دفنهم – وحين حضرته الوفاة جمع أولاده وقال لهم: أيُّ أب كنت لكم؟ قالوا: يا أبانا كنت خير أب، قال: فلن أعطيكم شيئاً من مالي، حتى تعطوني الميثاق أن تفعلوا ما آمركم به، قالوا، وما تأمرنا؟ قال: إنني لم أعمل خيرًا قط ولئن قدر الله عليَّ ليعذبني عذابًا لا يعذبه أحدًا من العالمين.
قالوا له: ماذا تريد؟ قال: إذا أنا مت فاحرقوني، ثم اسحقوني، ثم ذروني في يوم عاصف، فإن الله إن قدر عليَّ ليعذبني عذابًا لا يعذبه أحدًا من العالمين، فلما مات الرجل صنعوا ما أمرهم أبوهم، قاموا فحرقوه حتى صار فحماً ودقوه وذروا نصفه في البحر، ونصفه في البر، فأمر الله عز وجل البحر أن يرد ما أخذ، وأمر البر أن يرد ما أخذ، وقال له: كُن فكان! فلما وقف بين يديّه سبحانه قال: عبدي ما حملك على أن فعلت ذلك؟ قال: خَشْيَتُك يا رب، قال: أما وقد خشيتني فقد غفرت لك). رغم عِظم الذنب إلا أن الله رأى في قلبه صدقًا فجازاه بالمغفرة.
وفي ذلك تأكيد على حاجة البشر للخطأ والتوبة لتحقيق مقام العبودية لله، وقد ورد عنه ﷺ أنه قال: والذي نفسي بيده لو لم تذنبوا لذهب الله بكم ولجاء بقوم غيركم يذنبون فيستغفرون الله فيغفر لهم..
الخلاصة: الدنيا هذه دار إختبار، الإسلام هو المنهج، ولكل إنسان امتحان مختلف، النجاح فيه يتطلب إخلاصًا وتقوى وصدق ورجوع إلى الله، فالقلوب الحاضرة المؤمنة المصدقة أولى عند الله من الأقوال والأفعال بلا استشعار، فالرجل الذي قتل تسعة وتسعين نفسًا دخل الجنة وهو لم يركع لله ركعة، لكنه صَدَق في البحث عن الحق فأصدقه الله وغفر له.
الإسلام لا يريدك مثاليًا، وإنما إنسان فقط، بمبادئ وقيّم وأخلاق.
✍️🏼تسنيم عبد السيد