آراء ومقالات

“السودان… من شعارات التغيير إلى مفترق الطرق”بقلم : د. علاء عماد الدين البدري

عقب سقوط النظام السابق في السودان انفتح باب الأمل واسعًا أمام الشعب السوداني الذي طالما حلم بوطن مستقر وعادل يحترم كرامة الإنسان ويؤسس لنهضة شاملة ومع مجيء حكومة دولة رئيس الوزراء الجديدة ازدادت تطلعات المواطنين خاصة بعد أن حملت الحكومة الانتقالية شعارات رنانة دعت إلى الحرية والسلام والعدالة، وأعلنت نيتها بناء دولة مؤسسات قائمة على الكفاءة والحوكمة الرشيدة.

لكن سرعان ما بدأت التحديات تعصف بهذه الآمال إذ تحولت الحكومة التي وُصفت في بداياتها بأنها “حكومة كفاءات” إلى ساحة لترضيات سياسية تتنازعها الكتل الحزبية مما أفقدها القدرة على تنفيذ أجندة الإصلاح وأغرقها في حالة من العجز الإداري والفوضى السياسية وهو ما انعكس سلبًا على الشارع السوداني وأدى إلى حالة من الإحباط العميق بعد أن تبخرت وعود الاستقرار والانتعاش الاقتصادي.

وفي خضم هذا المشهد المرتبك ظهرت على الساحة كتل سياسية سعت بوضوح إلى شق الصف الوطني وزعزعة استقرار البلاد من خلال خلق حالة من الاستقطاب الحاد بين مؤسسات الدولة السيادية وعلى رأسها القوات المسلحة وقوات الدعم السريع وقد تم الترويج لأدوار مغلوطة لبعض المكونات وتصويرها بأنها الحامي الأول للديمقراطية رغم أن التاريخ والسياق يفرضان أسئلة جوهرية حول أهلية هذه الجهات لأداء مثل هذا الدور الوطني الحساس.

وكان أخطر ما في هذا الانقسام هو إشعال الفتنة المسلحة وتحجيم دور الجيش الوطني مقابل محاولات تضخيم لقوات الدعم السريع وإظهاره ككيان عسكري بديل في وقت كان الشعب هو الخاسر الأكبر من كل هذه الفوضى السياسية والعسكرية.
وعندما تعثرت المحاولة الأولى (الخطة “أ”) في فرض واقع جديد بالقوة، لجأت بعض الأطراف إلى خطة بديلة (الخطة “ب”) عبر تشكيل حكومة موازية للحكومة الشرعية لكن هذه المحاولة قوبلت برفض شعبي واسع ومن كل الدول الإقليمية والدولية، ولم تجد التأييد سوى من أطراف محدودة لها مطامع خاصة في مستقبل السودان وقد أصبحت هذه الحكومة الموازية رهينة لتحقيق مكاسب ميدانية وعلى وجه التحديد سقوط مدينة الفاشر لإعلان ما يشبه “الدولة البديلة” الأمر الذي يعكس خطورة هذا المشروع على وحدة السودان وسيادته.

لكن وبفضل صمود القوات المسلحة السودانية التي قدمت عبر تاريخها نماذج مشرّفة من التضحية والانضباط والكفاءة، لا تزال البلاد تتماسك فهذه المؤسسة الوطنية التي تخرّج فيها قادة عسكريون كبار ورفدت جيوشًا إقليمية بأفضل الخبرات تظل هي الضامن الحقيقي لوحدة السودان وسيادته، واستقراره ولعل من يريد أن يقف على حقيقة قدراتها فما عليه إلا أن يعود إلى شهادات كبار القادة الدوليين وعلى رأسهم البريطانيون الذين خبروا كفاءة الجندي السوداني منذ عهود بعيدة.

ومع تقدم العمليات العسكرية اليوم نحو دحر التمرد من مدينة الفاشر التي كانت ولا تزال عصية على كل محاولات الانكسار فإن التساؤل المطروح على من أشعلوا فتيل الفتنة هو ما هي الخطة (ج) لديكم؟ وحتى إن وُجد ما يُسمى بـ”الخطة ج” فإنها لا تتجاوز كونها سرابًا من الأوهام لا مكان له إلا في عقول من نسجوه. فالسودان بتاريخه العريق وبتضحيات قواته المسلحة الباسلة والقوات المساندة لها وبصمود مدنه وشعبه أثبت بما لا يدع مجالًا للشك أنه عصيٌّ على الاختطاف بالمؤامرات أو المغامرات غير المحسوبة وما يجري اليوم يؤكد أن هذا الشعب لن يقبل بديلاً عن دولته الموحدة ذات السيادة الكاملة ولن يسمح بإعادة صياغة مصيره وفق أجندات خارجية ينفذها من رهنوا أنفسهم للارتهان والارتزاق ولو كانوا من أبناء الوطن.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى