آراء ومقالات

“غياب الثقة.. أزمة السودان الممتدة بين تشرذم الأحزاب وتغوّل النخب”بقلم: د. علاء عماد الدين البدري

رغم مرور عقود على استقلال السودان لا يزال الوطن يرزح تحت وطأة أزمات سياسية واجتماعية واقتصادية متشابكة يعود جزء كبير منها إلى غياب الثقة بين مكونات المجتمع السياسي والاجتماعي وتراجع فرص الاندماج والتسامح الوطني في وقت يفترض فيه أن تكون هذه القيم أساسًا لبناء دولة مستقرة عادلة.

في قلب هذه الأزمة تقف النخب السياسية السودانية التي يُفترض أن تلعب دور “الشمعة” التي تضيء درب الشعب وتقوده نحو النهوض والتقدم غير أن الواقع يشير إلى أن هذه النخب ظلت على مدى عقود منشغلة بالسعي إلى السلطة لا ببناء وطن جامع فقد تحوّلت السلطة إلى غاية لا وسيلة لخدمة المواطن.

الساحة السياسية السودانية تعاني من التضخم الحزبي غير المنتج إذ يوجد أكثر من 90 حزبًا مسجلًا دون أن تنجح حتى ثلاثة أو أربعة منها في الاتفاق على برنامج سياسي موحد أو رؤية مستقبلية متقاربة هذا التشتت الحزبي يُضعف العملية الديمقراطية ويخلق حالة من التشرذم السياسي تجعل من الصعب إنجاز تحول ديمقراطي حقيقي أو الوصول إلى تفاهمات وطنية شاملة والحل يكمن في تقليص هذه الأحزاب إلى ثلاث كتل رئيسية تُبنى على أسس واضحة وطنية، تنموية، وتعددية. هذه الكتل يجب أن تجمع تحتها كافة المكونات السياسية وفق برامج محددة تبتعد عن الشخصنة والمصالح الضيقة.

واحدة من الإشكاليات التي تعاني منها البلاد أيضًا هي المركزية المفرطة حيث تُدار الدولة من المركز بينما تُهمّش الولايات يجب تطبيق نظام لا مركزي حقيقي يُتيح اختيار الحكّام من أبناء ولاياتهم عبر آليات ديمقراطية شفافة لا عبر المحاصصة أو “الترضيات السياسية” هذا النمط من الإدارة سيُحمّل الحاكم مسؤولية حقيقية أمام مجتمعه ويُعزز مبدأ المحاسبة الشعبية المباشرة مما قد يرفع من كفاءة الحكم المحلي ويُسهم في معالجة قضايا التنمية غير المتوازنة بين المركز والهامش.

السودان ليس دولة موحّدة عرقيًا أو ثقافيًا بل هو وطن متعدد الأعراق والثقافات والديانات ومن الخطأ فرض شكل موحد للهوية الوطنية دون احترام للتنوع القائم إن فرض الاندماج بالقوة لا يولد سوى الرفض بينما يؤدي احترام الخصوصيات والتعايش السلمي إلى وحدة حقيقية قائمة على التقدير المتبادل.

إذا كانت السلطة هي الوجه الظاهر للأزمة فإن الثروة هي جوهر الصراع بين الكتل السياسية جميع الأطراف تسعى لبسط النفوذ على موارد البلاد ما يخلق حالة من الصراع المستمر خصوصًا في مناطق الهامش الغنية بالموارد الطبيعية ويجب في هذا السياق اعتماد نظام توزيع عادل للثروة بحيث تأخذ كل ولاية ما يكفيها من إيراداتها المحلية أولًا ثم تذهب الحصة المتبقية إلى العاصمة حيث المركز الفيدرالي هذه الخطوة تضمن العدالة وتُقلّل من الشعور بالتهميش والغبن التاريخي.

ولا تكتمل معادلة الدولة المستقرة دون جيش وطني موحد لا يتبع الولاءات الحزبية أو القبلية بل يخضع فقط للدولة المدنية وتكون مهمته الوحيدة حماية حدود السودان وسيادته وأمنه القومي لا التدخل في الشؤون السياسية.

إن مشروع بناء السودان الجديد لا يمكن أن يقوم على نفس قواعد الماضي فلا نهضة بدون مصالحة وطنية حقيقية ولا سلام بدون عدالة ولا ديمقراطية بدون أحزاب فاعلة وبرامج واضحة ولا وحدة دون احترام للتنوع ولعل الخطوة الأولى تبدأ بالاعتراف الصادق بأن الخلل في النخب قبل القواعد وفي الرغبة في السلطة قبل الرغبة في الإصلاح.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى