آراء ومقالات

السودانيون وحدهم يملكون المفاتيح ” لا مفاوضات تحت الوصاية”بقلم : د. علاء عماد الدين

تتقاطع الطائرات في سماء السودان وفود تغادر وأخرى تحط في مطار بورتسودان والرباعية الدولية تقترب حينًا وكلها تحمل في ظاهرها هدفًا واحدًا إيقاف الحرب التي أنهكت البلاد والعباد لكن في خضم كل هذه التحركات يطفو سؤال على السطح ماذا يريد السودانيون أنفسهم؟

منذ اندلاع الصراع تعددت المبادرات والوساطات وكثرت العناوين والمصطلحات إلا أن الحقيقة المؤلمة هي أن معاناة الشعب السوداني تزداد يومًا بعد يوم واليوم ومع استمرار الاستقطاب والتجاذبات الإقليمية والدولية بات من الضروري أن يُعاد توجيه البوصلة إلى الداخل حيث تكمن الإجابة الصادقة والوحيدة الممكنة.

لا شك أن الحرب التي قسمت جسد الوطن الواحد لم تكن فقط نتيجة خلافات داخلية بل تغذت أيضًا على مطامع خارجية وحسابات إقليمية ودولية لا تمت لمصلحة السودان بصلة وإذا كانت هذه الأطراف قد لعبت دورًا في إشعال الفتيل فهل يُعقل أن نوكل لها أيضًا مهمة إطفاء الحريق؟

السودانيون وحدهم بكل تنوعهم وتعددهم يملكون مفاتيح الخروج من هذا النفق والحل كما تؤكد كل التجارب لن يكون مستوردًا بل يجب أن يكون سودانيًا – سودانيًا ينبع من إرادة وطنية خالصة دون وصاية أو إملاء خارجي إننا اليوم بحاجة لحوار صادق عميق وشامل يعيد بناء الثقة بين أبناء الوطن ويضع النقاط على الحروف بعيدًا عن العبث السياسي والتجاذبات الحزبية والمزايدات الإعلامية حوار يُبنى على أسس واقعية يعترف بالأخطاء ويبحث في جذور الأزمة لا في مظاهرها فقط.

من هنا تبرز أهمية تفعيل دور الإدارات الأهلية ومكونات المجتمع التقليدية التي لطالما لعبت أدوارًا محورية في حفظ النسيج الاجتماعي وحل النزاعات بطرق سلمية لا بد أن يكون لهذه الجهات موقع واضح في أي مسار تفاوضي وفي رسم مستقبل الحكم في السودان استنادًا إلى شرعية اجتماعية لا يمكن القفز فوقها.

كذلك بات من الضروري تحديد آلية حكم واضحة تخرج السودان من دوامة الفوضى المؤسسية وتؤسس لاستقرار دائم لا تُهدده الانقلابات أو النزاعات المسلحة بل يُبنى على توافق حقيقي وشامل أما التفاوض عبر أطراف خارجية إن كان مجرد وسيلة لتمرير أجندات أو فرض حلول لا تخدم الشعب السوداني فلا بد أن يكون موقفنا منها واضحًا لا.

لقد مرّ الشعب السوداني بتجارب قاسية ومؤلمة جعلت من كل مفصل من مفاصل حياته اختبارًا للصبر والثبات فعلى مدى عقود عانى من الحروب الأهلية والديكتاتوريات المتعاقبة والانتقالات السياسية الهشة والانقلابات المتكررة التي كانت تعصف بكل بارقة أمل ولعلّ ما يُميّز هذه المرحلة هو الإنهاك الجماعي الذي أصاب كل شرائح المجتمع من الشمال إلى الجنوب ومن الشرق إلى الغرب.

في كل مرة ظن السودانيون أن البلاد مقبلة على عهد جديد اصطدمت آمالهم بواقع مرير يعيد إنتاج الأزمات بصور مختلفة فبدلًا من بناء مؤسسات راسخة انهارت الهياكل أمام عواصف المصالح الضيقة وبدلًا من ترسيخ العدالة اتسعت الفجوات بين المركز والهامش وبدلًا من تحقيق الاستقرار ظلت البلاد رهينة تجاذبات النخب وتدخلات الخارج.

هذه التجارب المؤلمة من ثورات عظيمة أُجهضت إلى حروب لم تتوقف خلقت في الوجدان السوداني توقًا عميقًا لرؤية دولة حقيقية دولة لا يُختزل وجودها في أشخاص أو جماعات أو عواصم أجنبية بل تُبنى على أسس المواطنة والعدالة والمساواة واحترام التنوع.

إن الحلم السوداني اليوم لم يعد ترفًا سياسيًا أو مطلبًا نخبويًا بل هو ضرورة وطنية تفرضها المعاناة اليومية لملايين السودانيين الذين يفتقرون لأبسط مقومات الحياة ويتطلعون إلى وطن يسعهم جميعًا دون إقصاء أو تهميش السودان لا يحتاج إلى مزيد من المبادرات الشكلية ولا إلى اتفاقيات تُوقّع في الخارج دون أن تجد طريقها إلى التنفيذ ما يحتاجه هو رؤية وطنية واضحة المعالم تبدأ من الاعتراف بتعقيدات الواقع وتمر عبر مصالحة حقيقية مع الذات وتنتهي بقيام دولة تُعبّر عن تطلعات الشعب.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى