“شهداء الكرامة… ونداء الواجب نحو من تبقّى من خلفهم”بقلم: د. علاء عماد الدين البدري

في قلب المأساة السودانية وفي خضم حرب الكرامة التي أرادت تمزيق الوطن وتفتيت نسيجه الاجتماعي والسياسي برز رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه رجالٌ قدّموا أرواحهم فداءً للسودان فسالت دماؤهم الزكية على تراب هذا الوطن لتقول للعالم أجمع السودان لا يُباع، ولا يُقسّم ليس مجرد رقعة جغرافية، بل وطن يسكن في قلوب أبنائه ويستحق أن يُفدى بالغالي والنفيس.
لم يكن لهؤلاء الشهداء من غايةٍ سوى الواجب ولا من هدفٍ سوى حفظ الكرامة لم يسعوا لمنصب ولم يركضوا خلف مصلحة، بل اصطفوا في وجه محاولات التمزيق مؤمنين أن الواجب الوطني يسمو على كل اعتبار رغم قسوة الظروف وخذلان بعض ممن كنا نعدهم سندًا كتبوا بدمائهم ملحمة الكرامة التي ستظل محفورة في الذاكرة الوطنية لا تمحوها الأيام ولا تنال منها تقلبات السياسة.
هؤلاء ليسوا مجرد أسماء تُتلى في المناسبات أو تُنقش على لوحات التكريم إنهم أكبر من كل ذلك إنهم رموز التحدي من حملوا راية الوطن في أحلك الساعات رابطوا في الخنادق وذاقوا ويلات الحرمان ثم ارتقوا وهم يقبضون على مبادئهم لتبقى ذكراهم نبراسًا في طريق الأجيال القادمة.
دماؤهم لم تُهدَر، بل سقت أرض السودان وزرعت فينا معاني الفداء والانتماء الحقيقي لقد جسّدوا الوطنية بأفعالهم لا بشعاراتهم ورسالتهم كانت واضحة في هذا البلد رجال لا يساومون على الكرامة ولا يفرّطون في الأرض.
لكن الوفاء لهؤلاء لا يكتمل بالشعارات أو الخطابات الرنانة الوفاء الحق يبدأ بالوقوف مع من تركوهم خلفهم أبناء فقدوا السند وأرامل تَكبّدن ثقل الحياة وحدهن لا يجب أن يُتركوا فريسة للتهميش أو يُسلَّموا لدوامة النسيان.
وهنا يطرح الواقع سؤالًا لا يحتمل التأجيل:
أين دور الحكومة؟
إن “حكومة الأمل” التي وُلدت من رحم المعاناة مطالَبة اليوم بترجمة هذا الاسم إلى أفعال لا نطلب منها أن تدفع ثمنًا لتلك الأرواح — فذاك لا يُقدَّر بثمن — لكننا نطالبها بتكريم الشهداء بما يليق عبر رعاية ذويهم وتعزيز صمودهم كما تفعل الدول التي تحترم تاريخها وتكرّم من ضحّوا لأجلها.
من هنا تبرز الحاجة الملحة إلى تشكيل لجنة وطنية مستقلة لشؤون الشهداء وذويهم تتولى رصد احتياجاتهم ومتابعة قضاياهم وتوفير الرعاية الشاملة لهم صحيًا، وتعليميًا، ومعيشيًا بعيدًا عن الحسابات الضيقة أو التجاذبات السياسية هؤلاء أولى من أي ملف آخر في هذا الظرف الدقيق.
لقد آن الأوان أن نُترجم الحزن الوطني إلى التزام أخلاقي وأن تتحول التضحيات إلى أرضية لمستقبل أكثر عدلاً ووفاءً الشهداء أدّوا دورهم بشجاعة… والآن جاء دورنا.