آراء ومقالات

“الخدمة المدنية بين إرث الماضي وتحديات المستقبل”بقلم : د . علاء عماد الدين البدري

تُعد الخدمة المدنية العمود الفقري لأي دولة تسعى إلى تحقيق الاستقرار والتطور فهي الأداة التنفيذية التي تُجسّد السياسات العامة وتحوّلها إلى واقع في السودان ورغم الإمكانات البشرية الكبيرة ظلت الخدمة المدنية تعاني من مشكلات مزمنة أبرزها الجمود ورفض التجديد ما انعكس سلبًا على الأداء العام وأدى إلى نزيف مستمر في الكفاءات الوطنية.

على مدار سنوات طويلة وُضعت استراتيجيات وخطط عدة لإصلاح الخدمة المدنية لكن القليل منها فقط رأى النور بينما بقي معظمها حبيس الأدراج لافتقاره إلى الإرادة القوية والرؤية الشاملة وما زاد من تعقيد الوضع أن هذه المؤسسة ظلت تُدار بعقلية لا تؤمن بضرورة التغيير أو إشراك الشباب وتتمسّك بالمواقع الإدارية العليا حتى آخر العمر في تجاهل تام لمبدأ التداول وتوريث الخبرات.

ما يحدث اليوم هو أن هناك آلاف الشباب المؤهلين ممن يمتلكون الرغبة والقدرة على المساهمة في بناء وطنهم يجدون أنفسهم أمام مؤسسات مغلقة أمامهم مما يدفعهم إلى الهجرة والبحث عن مستقبل أكثر وضوحًا واستقرارًا في الخارج في مشهد مؤلم لا يُمكن تجاهله بحثًا عن فرص عمل تضمن لهم مستقبلًا واضحًا ومستقرًا في الوقت الذي كان من المفترض أن يكون الوطن أولى بعطائهم.

في المقابل لا أحد ينكر أهمية وجود الكفاءات ذات الخبرة الطويلة لكن المطلوب هو إعادة توظيف هذه الخبرات في الإطار الصحيح من خلال إنشاء مجلس استشاري للخدمة المدنية يضم كبار الموظفين السابقين ويمنحهم دورًا فاعلًا في تقديم الرأي والمشورة بدلًا من أن يبقوا في مناصب تنفيذية تعيق ديناميكية التطوير.

الإصلاح الحقيقي للخدمة المدنية في السودان يبدأ بترتيب الأولويات بما يخدم مصلحة الوطن وتبنّي معايير الكفاءة وأن تكون هنالك فرصة للشباب الذين هم مواكبين للتطور العالمي الذي يحدث اليوم وفتح الأبواب أمامهم وتمكينهم من المساهمة في تطوير مؤسسات الدولة كما يجب أن نُكرّم أصحاب الخبرة لا بإبقائهم في مواقعهم إلى الأبد بل بإشراكهم كحكماء ومستشارين ومنح الفرصة لجميع أبناء الوطن للمشاركة في خدمته دون تحيزٍ أو إقصاء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى