آراء ومقالات

الفاشر تُنازع الحياة… والعالم يصمت…بقلم: د. علاء عماد الدين البردي

في زمنٍ تُرفع فيه الشعارات البراقة عن العدالة وحقوق الإنسان يقف العالم متفرجًا أمام مأساة السودان وكأن الدم السوداني أقلّ قيمة من سواه في مدينة الفاشر تتكرّر الفصول الدامية نفسها نساء تُذبح أطفال يُقتلون بدم بارد وبيوت تُحرق على من فيها مشهدٌ يلخّص انهيار الضمير الإنساني ويطرح سؤالًا مُرًّا أين العدالة حين يُغتال الأبرياء على مرأى من الجميع؟

ما يجري في السودان لم يعد مجرّد صراعٍ على سلطةٍ بل هو سقوطٌ أخلاقي وإنساني شامل تقوده مليشيات مسلّحة فقدت صلتها بالقيم والأعراف الإنسانية ما يحدث في الفاشر ليس “تجاوزات ميدانية” بل جريمةٌ ضد الإنسانية تُرتكب في وضح النهار أمام كاميرات العالم ووسط بياناتٍ دوليةٍ باهتة لا تلامس عمق المأساة.

وما يزيد الجرح عمقًا أن بعض القوى السياسية تحاول تبرير هذه الفظائع تحت شعارات “الديمقراطية” و“التحول المدني” وكأن بناء الدولة يمكن أن يتم على أنقاض المدن المدمّرة أيّ ديمقراطيةٍ تُبنى على الدماء؟ وأيّ عدالةٍ تلك التي تُقام فوق ركام الأبرياء؟ إنها مفارقة تكشف مدى الانحدار الذي بلغه الخطاب السياسي حين فقد حسّه الإنساني واستبدله بلغة المصالح والارتهان.

لقد عرّت الأزمة السودانية ازدواجية المعايير في تعامل المجتمع الدولي مع الكوارث الإنسانية ففي حين تتحرك المنظمات والهيئات الكبرى بسرعة حين تقع المأساة في مناطق أخرى من العالم يُترك السودان لمصيره وكأنّ مأساته لا تستحق التدخل إن الاكتفاء ببيانات “القلق العميق” و”الدعوات إلى ضبط النفس” لا يوقف نزيف الدم ولا يغيّر معادلة الموت اليومية هذا الصمت الدولي لا يُضعف فقط مصداقية الأمم المتحدة والمنظومة الحقوقية بل يهزّ الثقة في إنسانية العالم ذاته.

السودان لن يُنقذ إلا بأبنائه المطلوب اليوم مشروع وطني جامع يعلو فوق الحسابات الضيقة والمصالح الحزبية والتعالي القبلي بإرادة داخلية صلبة تُعيد ترتيب الأولويات على قاعدةٍ واحدة حماية الإنسان قبل أي انتماءٍ سياسي أو مناطقي ما يحدث في الفاشر ليس حدثًا عابرًا بل جرس إنذارٍ للوطن بأسره إمّا أن يتوحّد السودانيون على كلمةٍ سواء أو يُكتب في صفحات التاريخ أن وطنهم تمزّق لأنهم اختاروا الصمت والانقسام في لحظة الحقيقة.

الفاشر تنزف اليوم نيابةً عن كل السودان والعالم يشاهد في صمتٍ ثقيل وإذا لم يتحرك الضمير الإنساني ولم يلتف السودانيون حول مشروع خلاص وطني فسيأتي يوم يُكتب فيه أن السودان لم يُهزم في الحرب بل هُزم بصمت أبنائه وتخاذل العالم عنه.

فالأمم لا تُبنى بالاستجداء بل بالإرادة والوعي والإيمان بأن صون الكرامة هو أسمى أشكال الحرية والأوطان لا تموت بالحروب بل تموت حين يفقد أبناؤها الإيمان بقدرتهم على النهوض من تحت الركام
ورغم الجراح سيبقى السودان قادرًا على النهوض متى ما استيقظ ضميره الجمعي وآمن أبناؤه بأنّ خلاصهم يبدأ من وحدتهم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى