عثمان ميرغني يكتب:تحويل الهتاف الى اهداف..

رغم فجاعة ما حدث في الفاشر، ورد الفعل الشعبي العفوي العارم من السودانيين وغيرهم، وما فاضت به وسائط التواصل الاجتماعي من مشاعر التضامن العالمي مع السودان؛ إلا أن المطلوب لا يزال أكبر من ذلك كثيرًا.
المطلوب تحويل التعاطف الدولي الضخم إلى قوة هادرة تدفع أجندة السودان، وتساعد بقوة في إطفاء نيران الحرب بأجندة الشعب السوداني، وضمان مستقبل واعد يحول المحنة إلى منحة.
العواطف مهمة، لكنها لا تكفي. التضامن العالمي كسب، لكن إذا هطلت سحائبه في الأرض وأنبتت زرعًا وقمحًا وتمنًا.
الأمر أشبه بمياه فيضانات كاسحة تتجمع في بحيرة عظيمة خلف سد كبير في مجرى النهر. لا يمكن الاستفادة منها في توليد الطاقة الكهربائية إلا إذا رُكِّبت توربينات تحول الطاقة الحركية للمياه المندفعة إلى طاقة كهربائية تسري في خطوط النقل لتنير الأماكن، وتدير المصانع، وتمنح الإنتاج.
الآن، السودان في حاجة إلى مثل هذه «التوربينات» التي تحول سيول التعاطف العالمي الكبير إلى «طاقة» تدفع أجندة الشعب السوداني في المسارات كافة؛ لتحقق السلام والاستقرار والازدهار والنهضة.
لنستثمر هذا التضامن العالمي، يجب أن نعمل على ترفيع «الصورة الذهنية» لبلادنا؛ من مجرد وطن منكوب بالحروب، موسوم دائمًا بهاشتاغ (#انقذوا_السودان)، إلى عضو فاعل في المنظومة الدولية، راغب وقادر على دفع ثمن تذكرة الركوب في قطار الأمم المتحضرة.
الصورة الذهنية للسودان في نظر العالم بدأت منذ مجاعة منتصف الثمانينيات، ثم امتدت مع حكم الإنقاذ الذي عزل البلاد وكبّلها اقتصاديًا بقرارات المقاطعة الأمريكية والأوروبية، بل وحتى العربية من دول شقيقة مجاورة، بعد تورط السودان في دعم الإرهاب وإدراجه رسميًا في قائمة الدول التي ترعى الإرهاب. ثم جاء حريق دارفور في 2003 ليجعل البلاد تدخل حتى مدارس الأطفال في الدول الغربية، الذين يستقطعون من مصروفاتهم اليومية للتبرع لدارفور.
ما بقي في جسد السودان من بقعة ما فيها وصمة عار، لدرجة أن رئيسه مطلوب دوليًا، ولا يكاد يستطيع السفر إلى الخارج إلا بإجراءات مراوغة وهروب معقدة ومكلفة.
نحتاج الآن إلى استثمار هذا التعاطف لغسل وجهنا المغبر بالصورة الذهنية السلبية.
لا يتحقق ذلك إلا بسلسلة قرارات وإجراءات وسياسات تتطلب قدرًا كبيرًا من الشجاعة والإقدام، لا يقل عن شجاعة مواجهة الموت في المعارك العسكرية.
فهل نحن جاهزون؟
بل هل نحن مقتنعون بأننا في حاجة إلى تغيير الصورة النمطية عن السودان في الذهنية الدولية؟


