مستقبل السودان في يد السودانيين بقلم : د. علاء عماد الدين البدري

ما يحدث في السودان اليوم ليس مجرد نزاع محلي ما يحدث اليوم هو محصلة صراع طويل مع أطراف إقليمية ودولية تتعامل مع السودان كـ “لقمة سائغة” وثروة منقوصة لا ينبغي أن تظل خارج دائرة نفوذهم الحقيقة التي يجب أن يدركها الجميع هي أن المعركة التي يدور رحاها اليوم في السودان ليست حربًا محلية فقط ضد “الدعم السريع” بل هي حرب عالمية وإقليمية على ثروات هذا البلد وموقعه الجيوسياسي الهدف من وراء هذا كله هو تمزيق الوطن ونهب موارده.
لطالما كان السودان منذ استقلاله محل أطماع خارجية لقد مررنا بتجربة قاسية في جنوبنا الحبيب حيث فصل الجنوب عن الشمال وأصبح الشعب السوداني يعيش في واقعٍ مرير بعد الانقسام ومع كل الأسف لم يُسجل هذا الانقسام أي نجاح حقيقي في تحقيق العدالة أو الرفاهية لأي من الطرفين بل كشفت الأحداث التي تلت ذلك أن الأطراف الإقليمية والدولية كانت تراقب عن كثب وتترقب الفرص للهيمنة على السودان بكافة ثرواته.
بعد انفصال الجنوب كانت النية السياسية المعلنة تهدف إلى “تقرير المصير” لكن النتيجة كانت أكثر مأساوية الجنوب الذي أصبح دولة مستقلة لم يستطع أن يحقق الاستقرار السياسي والاقتصادي أما الشمال فقد عاش في حالة من الانقسامات والصراعات الداخلية ولا تزال آثار ذلك النزاع مستمرة أكثر من ذلك لقد أظهرت هذه التجربة أن الأطماع الخارجية كانت أحد الأسباب الرئيسية وراء هذا التمزق فالسودان كان ولا يزال يعد مخزونًا استراتيجيًا من حيث الموارد والثروات التي لا تملكها الكثير من الدول الأخرى.
اليوم بعد أكثر من عقد من الزمن على تلك التجربة يبدو أن نفس الأطراف التي ساهمت في تقسيم السودان قد عادت لتستخدم أدوات أخرى لا فرق إذا كانت هذه الأدوات ميليشيات محلية أو حروب بالوكالة الهدف واحد النهب والتفكيك والتمهيد لتحويل السودان إلى مسرح صراع دائم.
إن ما يفعله “الدعم السريع” ليس إلا جزءًا من مشهد أكبر بكثير في الواقع يجب أن يكون واضحًا للجميع أن السودان اليوم لا يواجه مجرد ميليشيا محلية تهدد أمنه واستقراره بل يواجه قوى إقليمية ودولية تتقاطع مصالحها في السودان هذه القوى تسعى لتحقيق أطماع سياسية أو اقتصادية ودولًا عظمى ترى في السودان مصدرًا للموارد التي يحتاجون إليها.
من المؤسف أن مشهد التدمير والتطهير العرقي الذي نشهده اليوم قد يكون مجرد جزء من استراتيجيات طويلة الأمد تهدف إلى استنزاف الموارد السودانية ثم الانتقال إلى مناطق أخرى إذا كانت بعض الأطراف الخارجية قد نجحت في تقسيم السودان إلى دولتين فإن التهديد اليوم هو محاولة تدمير السودان كدولة واحدة وتحويله إلى ميدان صراع داخلي مستمر وهذه لعبة خطيرة لأن أي خلل في تماسك الدولة السودانية سيكون له آثار واسعة على المنطقة كلها.
أكثر من 60 عامًا مضت على استقلال السودان لكننا لم ننجح في بناء دولة قادرة على حماية مصالح شعبها اليوم نرى كل هذه الميليشيات المسلحة المنتشرة في المناطق المختلفة وكأنها أداة لتنفيذ أجندات لا علاقة لها بمصالح السودان من المستفيد من تلك الصراعات الداخلية؟ المؤكد أن المواطن السوداني ليس هو المستفيد بل هناك أطراف إقليمية ودولية تسعى لتحقيق مصالحها على حساب الشعب السوداني.
الهدف الحقيقي هنا ليس فقط الوصول إلى السلطة السياسية بل الاستيلاء على الموارد الطبيعية التي يمتلكها السودان الذهب النفط المعادن الثمينة والأراضي الزراعية الخصبة السودان غني بشكل غير عادي في مواردها ولهذا السبب يظل محط أنظار القوى الخارجية التي ترى في هذا البلد مصدرًا للثروة لا يمكن أن يُترك للسيادة الوطنية هذه الأطراف تسعى لتقويض سيادة السودان من خلال إشعال الفتن الداخلية وزعزعة الاستقرار بشكل ممنهج.
إذا كان السودانيون قد عانوا في الماضي من تجارب مؤلمة مثل انفصال الجنوب فإنهم اليوم أمام اختبار جديد إما أن يُكتب للسودان العودة إلى الوحدة والتماسك أو أن ينزلق إلى المزيد من التفكك والانقسام في هذا السياق يجب على الشعب السوداني أن يتحمل مسؤولياته لا مجال لتجاهل الحقيقة فالتحديات الداخلية والخارجية تزداد تعقيدًا والصراع ليس على السلطة فحسب بل على وجودنا كأمة ذات سيادة.
إذا ضاع السودان اليوم فسوف نخسر الكثير ليس فقط من حيث الأراضي والموارد بل أيضًا من حيث الهوية والكرامة الوطنية ما يحدث اليوم هو صراع على مستقبل السودان كدولة موحدة وقوية إذا لم نتحرك الآن فقد يكون الأوان قد فات، إن الفرصة الآن بين أيدينا يجب أن نتحرك بسرعة وأن نضع مصلحة الوطن فوق كل اعتبار ويجب أن نكون على استعداد لدفع الثمن إن تأخرنا.




