عثمان ميرغني يكتب: لعنة الذهب

الشرطة في الولايات المتحدة الأمريكية ألقت القبض على لص يسرق البنوك. في المحكمة سأله القاضي: «لماذا تخصصت في سرقة البنوك؟» رد اللص بمنتهى البساطة: «لأنها المكان الذي توضع فيه الأموال يا سيدي».
قبل أن يعرف السودانيون إنتاج الذهب بكميات تجارية هائلة، كان أقصى أحلامهم أن تتفجر ينابيع البترول فيصبحوا عضواً في منظمة «الأوبك» فينضموا إلى نادي أثرياء النفط.
وشاء الله أن يجمع لهم الذهبين: الذهب الأسود مع الذهب الأصفر الرنان.
وبددت الإنقاذ أموال البترول التي فاقت مائة مليار دولار. لا تجد في كراسة الامتحان عن سؤال «أين ذهبت موارد النفط؟» إلا إجابات تتستر ببعض الإنجازات التي لا تقاس بما أُنفق فيها. والخلاصة: لا أحد يعلم أين ذهبت عائدات النفط.
ثم جاء الذهب. لا يكاد متر مربع من أرض السودان إلا وفي باطنه هذا المعدن النفيس. ملايين السودانيين انتشروا في السهول والجبال ينقبون ويحصدون سنوياً ما لا يقل عن 100 طن، تكفي لجعل السودان جنة وارفة الظلال.
ومع ذلك.. لا يظهر لها أثر. لا تتدفق في شرايين الدولة ولا حياة الناس.
نظمت الدولة قطاع التعدين وشرعت له القوانين وأسست المؤسسات الحكومية التي تشرف وتراقب وتضبط العمل في هذا القطاع. لكن غير رنين الأرقام التي تُنشر كل فترة، لم يبلغ مسامع الحال لدى المواطن شيء. دولة فقيرة وشعب أفقر في كل مناحي الحياة. مع وجود وزارة للمعادن، وشركة حكومية مختصة في تنظيم عمل هذا القطاع، وبنك مركزي ووزارة مالية وجمارك وغيرها.. ومع ذلك لا أثر لثروة الذهب.
تحول منصب وزير التعدين إلى واحد من المواقع السيادية التي تُمتشق لأجلها السيوف، ويأتي على رأس قسمة السلطة عند تشكيل مجلس الوزراء.
الشركة السودانية للموارد المعدنية التي تتبع لوزارة المعادن هي الذراع الذهبي المكمل لمهام الوزارة، والتي تضمن تعظيم عوائد الذهب للخزينة العامة.
ليتكامل دور الوزارة السيادي مع الدور التنفيذي للشركة، فإن أساس ذلك أن تتوفر للشركة شخصيتها المستقلة، وإلا أصبحت مجرد إدارة في الوزارة، وانتفت الغاية من وجودها.
نظام الإنقاذ ابتدع بدعة سيئة لا تزال تنهش جسد الدولة: يجمع الوزراء لمناصبهم وظيفة رئيس مجلس إدارة الشركات التي تتبع للوزارة.
وزير التعدين يرأس مجلس إدارة الشركة السودانية للموارد المعدنية، وزير الزراعة يرأس مجلس إدارة مشروع الجزيرة، وزير المالية يرأس مجلس إدارة سوداتل.. وزير النقل برأس مجلس ادارة سودانير وهكذا. وربما يصل عدد الشركات في بعض الوزارات إلى أكثر من عشر، مع ذلك لا يجد الوزير حرجاً في جمع منصب رئيس مجلس الإدارة لكل الشركات التي تتبع لوزارته وما جاورها.
ربما الهدف الأول: التمتع بمزايا المنصب، رغم كون ذلك يهتك أهم الأسس التي شرع لها قانون الشركات مجلس الإدارة.
مجلس الإدارة هو الهيئة التشريعية والإشرافية والرقابية لأية شركة، يحفظ لها قوامها المؤسسي الذي تتركز مهمته في تعظيم العائد وترفيع أهدافها. لكن عندما يتولى الوزير المنصب فهو يشطب الشخصية المستقلة للشركة ويحولها إلى إدارة، وربما ينشأ تضارب مصالح شخصية بين منصب الوزير ورئيس مجلس إدارة الشركة.
من الحكمة أن يصدر رئيس الوزراء أمراً بمنع جمع أي وزير لمنصب رئيس – ولا حتى عضوية – مجلس إدارة شركة تتبع للوزارة؛ ليحقق أعلى درجة من الفصل بين الوزارة والشركة.



