
تفسيرات متباينة وآراء مختلفة، واتفاق على جراءة موقف البرهان..
هل قدمت الحكومة السودانية تنازلات، وقطعت الطريق على المزايدات؟..
إسقاط الحكومة حقَّها العام، لا يعني تنازل الشعب عن حقوقه المُنتهَكة..
تقرير: إسماعيل جبريل تيسو..
اشتعلت منصات التواصل الاجتماعي جراء نقاشاتها المحتدمة بشأن خطاب رئيس مجلس السيادة القائد العام للقوات المسلحة، الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، الذي ألقاه في الجلسة الختامية للمشاورات التي أجرتها قوى سياسية وطنية ومجتمعية، في العاصمة الإدارية المؤقتة مدينة بورتسودان للتداول حول خارطة الطريق للحوار السوداني – السوداني، وركز التايم لاين على الجزئية المتعلقة بترحيب البرهان بكل شخص رفع يده من المعتدين وانحاز للصف الوطني، وأن الباب ما زال مفتوحاً أمام كل شخص يقف موقفاً وطنياً، وتوجيه رئيس مجلس السيادة الجهات المختصة في الجوازات بعدم منع أي شخص من الحصول على الجواز والأوراق الثبوتية طالما كان سودانياً، باعتبار أن الحكومة لا تعادي الناس بسبب آرائهم، وأي شخص لديه الحق في الحديث ضد النظام وانتقاده ولكن ليس له الحق في هدم الوطن والمساس بثوابته.
تفسير إشارات البرهان:
الكثيرون من الذين شغلوا بال التايم لاين بجدالاتهم الكثيفة، فسَّروا الإشارات التي حملها حديث رئيس مجلس السيادة، القائد العام للقوات المسلحة الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، حول العفو وعدم الممانعة من الحصول على الجواز السوداني، بأنها ليست سوى تنازلات تقدمها الحكومة تجاه داعمي ميليشيا الدعم السريع وفي مقدمتهم تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية ( تقدم) التي يقودها رئيس الوزراء المستقيل دكتور عبد الله حمدوك، حيث تشير دلالات الحديث إلى منطق ( عفى الله عمَّا سلف) وأن تنسيقية (تقدم) تمتلك الآن فرصة ذهبية، يمكن أن تستثمرها لتستعيد شرعيتها كياناً وطنياً يعود إلى حضن إلى البلاد محمولاً على أكتاف جوازه السوداني ليستأنف ممارسة السياسة من الداخل، وكل ذلك مرهونٌ بإعلان ” تقدم” توبتها واستغفارها من أثام العمالة والارتزاق، وغسل يدها عن دعم وإسناد ميليشيا آل دقلة الإرهابية، بغض النظر عن الانتهاكات والجرائم التي اُرتكبت في حق المواطنين المدنيين الأبرياء والعزل.
حقٌّ مرهون بمطلوبات:
قطعاً الحصول على ” الهُوية” الوطنية من جوازات ووثائق ثبوتية حقٌّ عام كفله الدستور لكل سوداني، لكن المحافظة على هذه الهُوية الوطنية مرتبط بالمحافظة على قيم ومبادئ وطنية ليس من بينها العمالة والارتزاق، والارتهان إلى الأجنبي من أجل تغيير الحكم، وإثارة الحرب ضد الدولة، والتحريض، والمعاونة، والاتفاق، وتقويض النظام الدستوري، وارتكاب جرائم الحرب، والجرائم ضد الإنسانية، وجرائم الإبادة الجماعية، وقد ثبت بالأدلة والبراهين ارتكاب تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية ” تقدم” كل هذه الجرائم، الأمر الذي دفع النائب العام لجمهورية السودان إلى اصدار قرار عبر اللجنة الوطنية لجرائم الحرب وانتهاكات ميليشيا الدعم السريع إلى اصدار أوامر قبض في حق عدد من قادة تنسيقية ” تقدم” وفي مقدمتهم دكتور عبد الله حمدوك رئيس الوزراء المستقيل رئيس التنسيقية، وبجانب حمدوك شملت قائمة المطلوبين 16 اسماً آخراً، من بينهم رئيس حزب المؤتمر السوداني عمر الدقير، والأمين العام لحزب الأمة القومي، الواثق البرير، ورئيس الحركة الشعبية التيار الديمقراطي ياسر عرمان، ووزيرة الخارجية الأسبق نائب رئيس حزب الأمة دكتورة مريم الصادق المهدي.
قرار سحب الجوازات:
وفي 20 أغسطس من العام 2023م أي بعد نحو أربعة أشهر من اندلاع الحرب التي أشعلت فتيلها ميليشيا الدعم السريع، سحبت وزارة الخارجية السودانية الجوازات الدبلوماسية من عديد القيادات التابعة لميليشيا الدعم السريع على رأسهم محمد حمدان دقلو ” حميدتي” وزوجته، بالإضافة إلى شخصيات سياسية شاركت في الحكومة الانتقالية الأولى بقيادة رئيس الوزراء لمستقيل دكتور عبد الله حمدوك، وشملت القائمة إلى جانب حمدوك، كلاًّ من عضو مجلس السيادة المقال محمد الفكي سليمان، ووزير رئاسة مجلس الوزراء المقال، خالد عمر يوسف ” سلك” علاوة على وزيرة الخارجية المقالة دكتورة مريم الصادق المهدي، والسفيرين عمر مانيس، ونور الدين ساتي وآخرين، وطالبت وزارة الخارجية السودانية من البعثات الدبلوماسية مخاطبة السلطات المختصة لإلغاء جوازات السفر الدبلوماسية لنحو 24 شخصية من المتمردين وداعميهم ممن باعوا وطنهم بثمن بخس ” دراهم” معدودة، وأوردوا شعبهم وبلدهم مورد الهلاك.
خاتمة مهمة:
ومهما يكن من أمر فإن ثلةً تفتقد إلى قيم الوطنية ومبادئ الإنسانية، لا ينبغي أن ينالوا عفواً من قيادة الدولة بعد أن غرسوا نصل الخيانة في خاصرة الوطن، نقول ذلك ونحن نؤمن بأهمية المصالحة الوطنية كمسؤولية جسيمة تتحملها السلطات الحكومية في دعم المصالحات الحقيقية، من أجل إرساء دعائم ثقافة السلام والتعايش المجتمعي، وضمان مستقبل آمن لبلد نؤسسه لأجيالنا القادمة، ولا أعتقد أن مثل هذه المفاهيم كانت غائبة عن ذهن رئيس مجلس السيادة القائد العام للقوات المسلحة لحظة إعلانه هذه الإجراءات، وكأني به أراد أن يرفع حملاً ثقيلاً عن كاهله، ويرمي به إلى ملعب تنسيقية ” تقدم” ولسان حاله يقول: “لنا العفو والجوازات، ولكم الخروج من عباءة التمرد”، ومع ذلك تبقى الكلمة الفصل في لسان الشعب السوداني المكتوي بنار الحرب، فإن عفا يكون الدهر قد صفا لتقدم، وإن أبى فإن لكم في القصاص حياة.