
ستيني يبكي بحرقة ويصيح: “كنا عارفين الجيش جاي”..
فني بالمصفاة: (ديل ما بشر ديل اليهود أخير منهم)..
الجيلي_ محمد جمال قندول
الطريق لمصفاة الخرطوم من أم درمان لم يكن طويلًا لجهة أنني لم أشعر به، حيث إنني كنت مشغولًا عن وضع تصورات وسيناريوهات الوضع داخل هذه المنشأة النفطية التي تعد أحد أهم المؤسسات الاقتصادية العاملة في مجال النفط والتي أُسست في 1997م.
ومنذ الأيام الأولى للحرب، وقعت هذه المنشأة الحيوية تحت حصار الميليشيا الإجرامية، حتى استطاعت القوات المسلحة والمساندة لها من وضع حد لواحدة من أسوأ فصول التمرد بهزيمتهم وتحرير المصفاة.
الطريق للجيلي
في الطريق صوب الجيلي، توقفنا في أم القرى شمال بالكدرو، وعايشنا أفراح المواطنين في تلك المناطق وهم ينشدون ويتغنون للجيش، بعضهم كان يذرف الدموع، فيما لفت نظري رجل ستيني يصيح وهو يبكي بحرقة: (كنا عارفين الجيش جاي وحيجي).
في بوابة المصفاة، شاهدنا القوات التي شاركت في المعركة فرحين بالانتصارات ومتوعدين بالزحف المبارك وهم يصيحون بعبارات: (تاني شرق النيل بس).
شيبًا وشبابًا يحملون السلاح لحماية الأرض والعرض في ملحمة تجسد معاني أن هذا الوطن لن ينتكس أو ينهار طالما أن هنالك رجالًا كهؤلاء فيهم الطبيب والمهندس يحمل البنادق، وفيهم شباب في عمر الزهور يرابطون ويقدمون أنفسهم مهرًا لحماية سيادة الوطن وتاريخه وهؤلاء كثر.
آثار المعارك التي قطعًا لم تكن معركة واحدة بدت واضحة، فهي جهد عام ونصف العام من استنزاف الميليشيا المتمردة حتى انهارت.
مقاتلو الجيش والقوات المساندة بدأوا أكثر ثقة بالدخول في خواتيم الحكاية حيث ذكر أحدهم لـ(الكرامة) قائلًا: (الجماعة ديل خلاص انتهو.. نحن من هنا للحاج يوسف وشرق النيل)، وزاد: (شفنا الخوف في عيونهم)، في دلالة واضحة على حالة الانهيار التام لهذه المجموعة الإرهابية التي تمردت على الدولة.
أضرار المصفاة
دخلنا المصفاة حيث المباني يبدو أنها لم تصب بأذىً كبير، وذلك يحسب للقوات المسلحة التي تعاملت بصبر وحنكة كبيرة مع أحد أهم المرافق الاقتصادية واستطاعت تحريره بأقل الأضرار.
العاملون بالمصفاة شعورهم وسعادتهم لا توصف ما بين التهليل والتكبير، سألت أحد العاملين الذين كانوا بالمصفاة لأكثر من عام بماذا خرجت من هذه التجربة؟ قال لي: (الصبر وعرفت أن الدنيا سلف ودين، والدعامة الكلاب ديل زي ما حقروا بينا ياهم الليلة في خبر كان).
أحد الفنيين بالمصفاة ويدعى محمد إسماعيل بابكر من الذين استنطقتهم (الكرامة)، قال إنّ له 25 عامًا بالمصفاة، غير أن الأيام التي قضاها في ظل حصار الميليشيا لهم لم يعايشها من قبل، ويضيف: (ديل ما بشر ديل اليهود أخير منهم، هدموا منازلنا بالجيلي وسرقوا مالنا).
ويضيف محدّثي بأنهم شاهدوا مع الميليشيا جنوبيون فروا بمجرد اكتساح الجيش للمصفاة.
مباني العاملين والموظفين لم تشهد تلفًا كبيرًا، فيما كانت النيران تشتعل من مستودعات الغاز الخام، فالخسائر في مجملها جزئية.