غياب الإدارات الأهلية عن المشهد السوداني: نداء عاجل للحكماء”بقلم: د. علاء عماد الدين البدري

لا يخفى على أحد أن السودان بلد مترامي الأطراف متعدد الأعراق والثقافات والقبائل التي تشكل نسيجه الاجتماعي المتداخل ومنذ القدم كانت الإدارات الأهلية من نظار ومشايخ وعُمد تمثل ركيزة أساسية في استقرار المجتمعات وحل النزاعات وبث روح السلم الاجتماعي في مناطق لا تصل إليها أذرع الدولة أو تعجز فيها القوانين الرسمية عن الوصول إلى حلول ناجعة.
لكن ما نراه اليوم مؤسف ومقلق إذ نشهد غيابًا تامًا بل ومتعمدًا في أحيان كثيرة لدور الإدارات الأهلية عن المشهد العام في وقت تحتاج فيه البلاد إلى صوت الحكمة والعقل أكثر من أي وقت مضى فالحرب المدمرة التي عصفت بالسودان وما نتج عنها من دمار وشتات ونزوح لم تكن فقط صراعًا على السلطة بل كانت أيضًا نتيجة تغييب ممنهج لأدوار مجتمعية كان يمكنها أن تكون خط الدفاع الأول في مواجهة الانزلاق نحو الهاوية.
اللافت أن العديد من السياسيين الذين يمسكون بخيوط الصراع اليوم هم في الأصل أبناء هذه القبائل وكان يفترض أن يكونوا امتدادًا لحكمة أهاليهم وقياداتهم التقليدية لكنهم للأسف ساهموا في إضعافها وتهميشها من خلال السعي إلى تفكيك البنية الاجتماعية وإقصاء الإدارات الأهلية من المشهد الوطني لصالح صراعات حزبية ضيقة ومصالح آنية.
إن الناظر أو العمدة أو الشيخ لا يُعيّن بمرسوم ولا يُفرض بانتخابات حزبية بل يُختار بإجماع أهله ويحمل مسؤولية أخلاقية وتاريخية في صون السلم ورعاية القيم وحماية النسيج الاجتماعي وهذا ما يجعل من الضروري اليوم أن تعود هذه الإدارات إلى واجهة المشهد وأن تتحرك بكل مسؤولية لأن ما يحدث الآن ليس مجرد أزمة سياسية بل خطر وجودي على وحدة السودان وسلامه الاجتماعي.
ومن هنا فإنني أوجه نداءً صادقًا لكل النُظار والمشايخ والعُمد في السودان بأن يتداعوا لعقد مؤتمر جامع غير حزبي ولا مسيس تحت راية الوطن يجمع كل القبائل والمكونات الموجودة داخل الوطن من شرقه وغربه ووسطه وشماله وجنوبه ويضع خارطة طريق لحل الأزمة من منطلق اجتماعي وأهلي جامع مؤتمر يُسمع فيه صوت العقل ويُبَثّ عبره نداء الوحدة ويُقدَّم فيه السودان على كل الولاءات الضيقة.
إن التاريخ لا يرحم والأجيال القادمة ستسأل أين كان حكماؤنا حين تمزق الوطن؟ فهل يكون الرد بالصمت؟ أم بالفعل؟ القرار بيدكم وأنتم أهل له.
الوطن اليوم لا يحتاج إلى المزيد من الساسة بل إلى من يزرعون الحكمة حيث حلّت الفوضى ويُحيون صوت القبيلة والمنطق والحكمة.
فهلّا سمعنا صوتكم قبل فوات الأوان؟