“الأحزاب السياسية السودانية.. بين فشل التجربة ومكابرة العودة”بقلم د. علاء عماد الدين البدري

ما يثير الدهشة والاستغراب في الساحة السياسية السودانية هو إصرار بعض الأحزاب السياسية التي فشلت في إدارة البلاد خلال ثلاث فترات ديمقراطية متعاقبة على التمسك بمطلب العودة إلى السلطة دون أن تقدم أي مراجعات أو إصلاحات داخلية حقيقية.
هذا الإصرار غير المبرر يعكس انفصالًا واضحًا عن الواقع خاصة أن هذه الأحزاب فقدت ثقة الشارع نتيجة الانقسامات الداخلية الحادة وغياب الرؤية الوطنية الجامعة وانعدام المصداقية بينها وبين مكوناتها فضلًا عن تجاهلها لأخطاء الماضي التي أدت إلى أزمات اقتصادية وسياسية خانقة استمرت لعقود.
الأدهى من ذلك أن بعضها لجأ لحمل السلاح مدعيًا الدفاع عن الحقوق وتطبيق الديمقراطية عبر فوهة البندقية وهو تناقض صارخ تشهد عليه معسكرات إثيوبيا التي أصبحت في فترات مختلفة منصات لتعبئة عناصرها ومواجهة القوات المسلحة السودانية تحت ذريعة إسقاط النظام البائد الذي تصفه هذه القوى بـ”الشمولية” بينما تتغافل عن أن بنيتها الحزبية ذاتها قائمة على التوريث السياسي والولاءات الأسرية الضيقة.
وهناك من بين هذه الأحزاب من لا يملك القدرة على الحكم ولا يترك المجال لغيره ليحكم تراه يتمسك بالمشهد دون تقديم مشروع حقيقي للنهوض بالدولة حاملاً أجندات فكرية مؤدلجة لا تتماشى مع واقع وتنوع المجتمع السوداني ناهيك عن سعيه لنقل نماذج ديمقراطية “مستوردة” لا تلائم السياق السوداني ولا تجد قبولًا شعبيًا واسعًا.
وما يزيد المشهد تعقيدًا ظهور بعض الرموز السياسية التي تتقلب في مواقفها كالحرباء بصورة واضحة وصادمة حيث بات من الجلي أنها لا تحمل مشروعًا وطنيًا حقيقيًا بل تخدم أجندات خارجية تسعى لإبقاء السودان في حالة من عدم الاستقرار الدائم بما يخدم مصالح جهات لا تريد لهذا الوطن أن ينهض أو يستقر إن مثل هذه الممارسات لا تهدد فقط وحدة البلاد بل تعيق أي عملية انتقال سياسي جاد.
إن الواقع السياسي السوداني يتطلب مراجعة جادة وشجاعة فالتعدد الحزبي غير المنظم وتكاثر الكيانات الهشة لم يسهم إلا في إرباك المشهد وتشتيت الجهود وتكريس حالة من العجز عن تقديم بدائل حقيقية للمواطن السوداني الذي أنهكته الأزمات وبات يتوق إلى حياة كريمة في ظل دولة مستقرة وقادرة على تحقيق تطلعاته.
لقد آن الأوان للتفكير الجاد في إعادة هيكلة العمل الحزبي وربما المضي في خيار تقليص عدد الأحزاب إلى ثلاث كتل سياسية كبرى تُبنى على برامج وطنية واضحة وتستوعب التنوع السياسي والفكري في البلاد فالوطن لم يعد يحتمل المزيد من العبث السياسي والمواطن السوداني لم يعد يملك ترف الانتظار.