آراء ومقالات

“ما بين غزة والسودان… هل هي مجرد صدفة؟”بقلم : د.علاء عماد الدين البدري

منذ عام 1948 لم تتوقف إسرائيل عن محاولاتها لفرض سيطرة كاملة على الأرض الفلسطينية ومحو ما تبقى من هوية شعب يُقاتل من أجل البقاء لا من أجل الحدود ومع كل موجة عدوان تثبت المقاومة الفلسطينية أنها متجذرة في وعي الشعب وأنها ليست حالة طارئة بل خيار وجود.

لكن ما يثير القلق اليوم أكثر من أي وقت مضى ليس فقط حجم العدوان الأخير على قطاع غزة بل توقيت هذا العدوان الذي جاء متزامنًا مع اندلاع الحرب في السودان في مشهد لا يمكن أن يُقرأ على أنه مجرد تزامن عشوائي لقد تابعنا جميعًا ما يحدث في غزة أعداد الشهداء المدنيين في تصاعد دمارٌ ممنهج طال البنية التحتية وتصعيد استيطاني في الضفة لم يعد يخجل من الكاميرات كل ذلك في ظل انشغال عربي غير مسبوق دول غارقة في أزماتها وشعوب مرهقة من الحروب والانهيارات.

وفي الجهة الأخرى السودان بلدٌ يترنح تحت وطأة حرب معقدة تتجاوز صراع على السلطة إلى صراعٍ على الجغرافيا والهوية والسودان بالمناسبة لم يكن بعيدًا عن الحسابات الإسرائيلية في الماضي فلطالما تحدثت تقارير استخباراتية عن دوره كـ”ممر” لفصائل المقاومة في غزة وشهدت أراضيه غارات إسرائيلية تحت ذرائع أمنية متعددة فهل من المنطقي أن تُشعل إسرائيل أكبر تصعيد لها في غزة في السنوات الأخيرة بينما ينشغل السودان في حرب وجود؟ وهل علينا أن نصدّق أن ما يحدث مجرد مصادفة؟

في عالم السياسة التوقيت أهم من الحدث ذاته وإسرائيل التي تجيد قراءة خريطة المنطقة جيدًا تعلم أن أفضل وقت للتمدد هو عندما ينشغل الآخرون بالاحتراب الداخلي وهذه ليست المرة الأولى فقد رأينا سابقًا كيف استفادت من الفوضى السورية ومن الأزمة اللبنانية واليوم يبدو أن السودان دخل الدائرة.
لكن الأخطر في أن ما يحدث في السودان ليس مجرد انهيار داخلي بل تفكيك ممنهج لدولة تُعد بوابة إفريقيا ومفتاحًا استراتيجيًا على البحر الأحمر وبلدًا غنيًا بالإمكانيات ويشكل سواء أحب البعض أم لا عمقًا استراتيجيًا للعالم العربي بل وللقضية الفلسطينية كذلك.

ولذلك لا نستبعد أبدًا أن يكون ما يحدث على جبهتي غزة والخرطوم جزءًا من مشروع واحد متعدد الوجوه هدفه استنزاف الأمة العربية على أكثر من جبهة حتى لا يبقى فيها من يرفع صوته دفاعًا عن القدس أو يعترض على التوسع الاستيطاني أو يمد يد دعم للمقاومة.

إن استمرار الحرب في السودان وإضعاف مؤسسات الدولة لا يعني فقط تهديد وحدة السودان وسلامة أراضيه بل يعني أيضًا حرمان القضية الفلسطينية من أي عمق إفريقي داعم وبالمقابل فإن ما يحدث في غزة هو رسالة واضحة بأن إسرائيل ماضية في فرض الوقائع على الأرض دون انتظار ضوء أخضر من أحد.

ما بين غزة والخرطوم هناك أكثر من رابط هناك يد تعبث وخطة تُنفذ وساحة مفتوحة بلا رقيب لأن من يقود هذا الصراع في السودان ليس سوى وكيل عن المشروع الصهيوني في المنطقة يسعى لضرب عمق القارة الإفريقية وتطويق أي تهديد محتمل للمصالح الإسرائيلية من الجنوب أما العرب فبين منهوك ومطبع وصامت ومشتبك في حروبه الداخلية، أن التزامن بين الجبهتين ليس بريئًا وأن المشروع الصهيوني اليوم لا يكتفي بالأرض بل يخطط لما هو أعمق تفكيك الجغرافيا السياسية للعالم العربي وإنهاك إرادته وضرب أي احتمال لوحدة قادرة على الردع.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى