آراء ومقالات

الحرب تسرق الأمان والهجرة تسرق الأرواح بقلم: د. علاء عماد الدين البدري

في مأساة جديدة تهز الوجدان الإنساني لقي 51 سودانيًا مصرعهم غرقًا في مياه البحر الأبيض المتوسط أثناء محاولتهم الوصول إلى أوروبا بحثًا عن الأمان وفرص الحياة بعيدًا عن أتون الحرب التي ما زالت تفتك ببلادهم.

لم تكن هذه الحادثة الأولى لكنها تأتي لتؤكد مجددًا حجم المأساة التي يعيشها السودانيون منذ اندلاع الصراع في البلاد فمع تزايد وتيرة النزاع وتدهور الأوضاع الاقتصادية والإنسانية باتت الهجرة غير النظامية مخرجًا اضطراريًا للكثيرين رغم المخاطر الكبيرة التي تكتنفها.

في ظل هذا الواقع يجد السودانيون أنفسهم ضحايا مزدوجين ضحايا الحرب في الداخل وضحايا البحر والتهريب واللجوء في الخارج وبينما تستمر النزاعات وتتعطل آليات الحماية تصبح حياة الآلاف على المحك في مشهد يستدعي وقفة إنسانية وأخلاقية عاجلة.

منذ اندلاع الحرب في السودان باتت الهجرة غير الشرعية واحدة من أقسى نتائج النزاع، شباب وشابات وأسر كاملة وجدوا أنفسهم محاصرين بين الرصاص وانهيار الخدمات وانعدام الأمن الغذائي والتهديدات اليومية التي حوّلت الحياة إلى معركة بقاء لا تنتهي.

في ظل هذا الواقع يصبح “الهروب” ليس خيارًا بل استجابة غريزية يفرّ السوداني من وطنه لا بحثًا عن الرفاهية بل عن الهواء النقي عن مكان ينام فيه دون خوف من القصف عن وظيفة تُطعم أطفاله عن مكان يمكن أن يُدعى فيه “إنسانًا”.
إن مأساة غرق هؤلاء الضحايا تضعنا جميعًا أمام سؤال مؤلم ما الذي يدفع إنسانًا إلى المجازفة بحياته في عرض البحر إن لم يكن قد فقد كل أمل في الحياة على اليابسة؟

غرقوا بصمت كما يغرق الآلاف غيرهم في صمت مماثل لا عناوين عريضة ولا مشاهد وداع ولا محاكمات للمتسببين في هذه الكارثة الممتدة هم ليسوا فقط ضحايا البحر، بل ضحايا الحرب وغياب الأمل.

لم يعد التعاطف كافيًا ولا البيانات المكررة تجدي نفعًا المطلوب اليوم تحرّك عاجل وجاد من صُنّاع القرار في السودان والمجتمع الدولي على حدّ سواء يجب أن تتوقف هذه المأساة المتكررة عبر حلول حقيقية والوقوف على حجم هذه المأساة ومعالجتها تُفضي إلى دعم فعلي لاستقرار السودانيين داخل وطنهم وخارجه الصمت والتقاعس لم يعودا مقبولَين والاستمرار في تجاهل هذه الكارثة الإنسانية هو مشاركة غير مباشرة في تفاقمها.

حتى ذلك الحين سيظل البحر مفتوحًا على احتمالات الموت وسنظل نخسر أرواحًا كان يمكن أن تعيش لو وُجد الأمان.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى